أداة التمويل المشتقة: من تاريخ بلاد الرافدين إلى السوق الحديثة

رحلة تطور العقود الآجلة

ليس مفهوماً جديداً، فقد ظهرت الأدوات المالية المشتقة منذ زمن حضارة بلاد الرافدين قبل أكثر من 2000 عام على شكل عقود مستقبلية بدائية. ومع ذلك، فإن التطور الحقيقي بدأ في السبعينيات عندما قام علماء المالية بتطوير معادلات التقييم الثورية. اليوم، لا يمكن لأي نظام مالي حديث أن يستغني عن الأدوات المالية المشتقة.

تعريف وجوهر الأدوات المشتقة

الأداة المالية المشتقة هي في جوهرها عقد يعتمد تماماً على تقلبات الأصل الأساسي. تتنوع الأصول الأساسية بشكل كبير - من السلع مثل النفط والذهب والفضة، إلى المنتجات الزراعية، وصولاً إلى الأدوات المالية مثل الأسهم، السندات، مؤشرات السوق أو أسعار الصرف والفوائد.

عندما يتغير سعر الأصل الأساسي، يتغير أيضاً قيمة الأداة المشتقة. وبسبب طبيعتها المعقدة، فإن تقييم الأدوات المالية المشتقة يمثل تحدياً كبيراً مقارنة بالأدوات المالية التقليدية الأخرى.

الأنواع الرئيسية للأدوات المشتقة وخصائصها

يشمل سوق المشتقات العديد من أنواع العقود المختلفة، كل منها يمتلك آلية وخصائص فريدة:

عقد الآجل (Forward)

• هو اتفاق بين طرفين يلتزمان بشراء أو بيع كمية معينة من الأصل الأساسي بسعر محدد مسبقاً، مع تحديد تاريخ التسليم في المستقبل
• يتم التسوية في الوقت المحدد لانتهاء العقد
• لا يتدخل وسيط، ولا يتحمل الطرفان أي رسوم
• غير مدرج في البورصات الرسمية

عقد المستقبل (Futures)

• نسخة موحدة من عقد الآجل، مدرجة ومتداولة في البورصات الرسمية
• يتغير السعر الأساسي يومياً وفقاً لقيمة السوق
• أكثر سيولة من عقد الآجل
• يتعين على الطرفين إيداع هامش ضمان في البورصة لضمان التنفيذ
• يتم إعادة تقييم القيمة يومياً وفقاً للسوق

عقد الخيارات (Options)

• أداة فريدة تتيح للمالك الحق (وليس الالتزام) بشراء أو بيع الأصل بسعر محدد خلال فترة زمنية معينة
• هو من الأدوات المشتقة الأكثر حداثة المدرجة رسمياً
• له قيمة مستقلة بسبب طبيعة حقوقه
• يتم تحديد سعر السوق بناءً على سعر الأصل الأساسي

عقد المبادلة (Swaps)

• صفقة بين طرفين تتضمن تبادل تدفقات مالية
• تُحسب التدفقات وفقاً لمبادئ متفق عليها
• غالباً ما تتم خارج البورصات المركزية
• لا يمكن تداوله مرة أخرى مثل الأوراق المالية العادية، بل هو عقد مستقل بين الطرفين

مساران رئيسيان للتداول

التداول عبر السوق غير المنظمة (Over-The-Counter) هذه عقود مشتقة تتم بشكل خاص بين طرفين دون رقابة صارمة. الميزة هي انخفاض تكاليف التداول بسبب عدم وجود طرف ثالث. لكن، العيب هو مخاطر الطرف المقابل - حيث قد لا ينفذ أحد الطرفين العقد عند الاستحقاق.

التداول عبر السوق الخاضع لرقابة الدولة يجب أن تمر الأوراق المالية المشتقة هنا بعملية تقييم قبل الإدراج الرسمي. التداول في السوق يخضع لرسوم أعلى، لكن كلا الطرفين يضمن حقوقه وواجباته القانونية.

العقود مقابل الفروقات والخيارات: أكثر الأدوات شعبية

العقد مقابل الفروقات (CFD) هو اتفاق بين طرفين لتسوية الفرق في سعر الأصل من وقت فتح المركز حتى إغلاقه. هو من أكثر الأدوات تداولاً في السوق غير المنظمة بسبب بساطته - عقد مباشر بين المستثمر والوسيط.

الخيارات توفر الحق (وليس الالتزام) بشراء أو بيع الأصل بسعر محدد خلال فترة زمنية معينة. هو من الأدوات الحديثة في السوق المدرج.

مقارنة واقعية:

• CFD: عقد غير محدد المدة، يمكن إغلاق المركز في أي وقت، يدعم أكثر من 3000 نوع من السلع، يستخدم الرافعة المالية بشكل كبير لتقليل رأس المال المستثمر، تكاليف منخفضة، سعره يتبع الأصل الأساسي
• الخيارات: عقد محدد المدة، يمكن إغلاق المركز قبل أو عند تاريخ الانتهاء، ليس كل الأصول لها، حجم التداول كبير وبالتالي رسوم عالية، يتطلب معادلة تقييم معقدة

خطوات ممارسة التداول المشتق

الخطوة 1: اختيار منصة تداول موثوقة اختيار منصة ذات سمعة جيدة هو أهم خطوة لتجنب مخاطر الطرف المقابل. يُفضل المنصات التي تخضع لرقابة جهة حكومية.

الخطوة 2: فتح حساب تداول إتمام إجراءات التحقق من الهوية وإعداد الحساب على المنصة.

الخطوة 3: إيداع هامش ضمان إرسال مبلغ كضمان في الحساب. يعتمد المبلغ على كمية الأصل المراد تداوله ومستوى الرافعة المالية المستخدمة.

الخطوة 4: تنفيذ الصفقة وضع أمر شراء (Long) إذا توقعت ارتفاع السعر، أو بيع (Short) إذا توقعت انخفاض السعر عبر التطبيق أو النسخة الويب.

الخطوة 5: إدارة المركز مراقبة السوق باستمرار، جني الأرباح عند الوصول للهدف، وقف الخسارة في الوقت المناسب لتقليل الخسائر.

حالة عملية: كسب المال من تقلبات سعر الذهب

تخيل أن سعر الذهب حالياً عند الذروة ($1683/أونصة)، وبناءً على التحليل الاقتصادي، تتوقع انخفاضاً حاداً في السعر. على الرغم من عدم امتلاك الذهب المادي، قررت استغلال أداة مشتقة تعتمد على الذهب (عقد CFD للذهب).

الاستراتيجية 1: عدم استخدام الرافعة المالية

• فتح مركز بيع عند $1683/أونصة برأس مال أولي $1683
• إذا انخفض السعر إلى $1660: ربح $23 ما يعادل 1.36% من الأرباح
• إذا ارتفع السعر إلى $1700: خسارة $17 ما يعادل 1% من الخسارة

الاستراتيجية 2: استخدام رافعة مالية 1:30

• فتح مركز بيع برأس مال أولي فقط $56.10 (1/30 من السعر)
• إذا انخفض السعر إلى $1660: ربح $23 ما يعادل 41% من الأرباح
• إذا ارتفع السعر إلى $1700: خسارة $17 ما يعادل 30% من الخسارة

الرافعة المالية تساعد على زيادة نسبة الأرباح بشكل كبير، لكنها تأتي مع مخاطر خسائر أعلى.

دور الأدوات المشتقة في السوق المالية

التحوط (Hedging) الغرض الأساسي من الأدوات المشتقة هو تمكين المستثمر من شراء أصل يتحرك عكس الأصل الحالي، للمساعدة في تعويض الخسائر في الأصل الأساسي.

تقييم الأصل الأساسي سعر العقود المستقبلية يمكن أن يعكس ويقيم تقريباً سعر السلعة الحقيقي.

زيادة كفاءة السوق من خلال التداول بالمشتقات، يمكن نسخ مستوى المدفوعات للأصل، مما يساعد على الحفاظ على توازن بين سعر الأصل والأداة المشتقة ذات الصلة.

الوصول لفرص مالية جديدة تتيح عمليات المبادلة في أسعار الفائدة للشركات الوصول إلى أسعار فائدة ميسرة أكثر مقارنة بالاقتراض المباشر.

المخاطر التي لا يمكن تجاهلها

تقلبات سعرية هائلة تصميم العقود المعقد يجعل تقييمها صعباً للغاية، وأحياناً شبه مستحيل. المخاطر العالية هي سمة أساسية للأدوات المشتقة.

طبيعة عالية المخاطر تقلبات الأسعار الكبيرة والصعبة التوقع تجعل الأدوات المشتقة خياراً مفضلاً للمضاربين. المضاربة غير المدروسة قد تؤدي إلى خسائر كاملة للرأس المال.

مخاطر التقييم العقود في السوق غير المنظمة لا تمر بعملية تقييم، وتوجد مخاطر عدم تنفيذ الطرف الآخر للعقد.

من ينبغي أن يشارك في سوق المشتقات؟

الشركات العاملة في مجال استخراج السلع الشركات التي تستخرج النفط أو الذهب، أو تعمل في القطاع الزراعي، يمكنها استخدام العقود المستقبلية لتثبيت الأسعار والحد من تقلبات السوق.

صناديق الاستثمار والشركات التجارية يستخدمون الأدوات المشتقة للاستفادة من الرافعة المالية، والتحوط لمحافظهم، أو لتحسين استراتيجيات إدارة الأصول.

المتداولون والمستثمرون الأفراد يستخدم الأفراد الأدوات المشتقة للمضاربة على أنواع الأصول، ويمكنهم استغلال الرافعة المالية لزيادة الأرباح المحتملة، مع زيادة المخاطر بالمقابل.